17/02/2022 - 12:02

قصائد من المكسيك | أرشيف

قصائد من المكسيك | أرشيف

إكرام أنطاكي (1948 - 2000)

 

 

المصدر: «مجلّة الكرمل».

الكاتب (ة): إكرام أنطاكي. 

زمن النشر: 1 كانون الثاني (يناير) 1982. 

تقديم: شادي روحانا.

 

في العدد الثالث من «مجلّة الكرمل» الفلسطينيّة، الذراع الثقافيّ والأدبيّ للثورة الفلسطينيّة، نجد الكاتبة السوريّة المكسيكيّة إكرام أنطاكي تقدّم وتترجم مباشرة من الإسبانيّة إلى العربيّة باقة من الشعراء المكسيكيّين مثل أوكتافيو باز، أفراين هويرتا، روبين بونيفاز نونيو، خايمي سابينس، ألبيرتو بلانكو، خوسيه كارلوس بيسيرا، خيراردو دينيس، وكورال براشو.

لا نعرف من هؤلاء الشعراء عربيًّا غير أوكتافيو باز الشاعر والمفكّر المشهور، وخايمي سابينيس، من أصول لبنانيّة، والّذي نعرفه عربيًّا بفضل ترجمة الشاعر اللبنانيّ المقيم في المكسيك قيصر عفيف والّذي أصدر عن «دار نلسن» كتاب «قصائد مختارة لسابينس» (2006).

كانت أنطاكي قد قَدِمَت إلى المكسيك عام 1975 دون معرفة باللغة الإسبانيّة، وفي العدد الثالث من «مجلّة الكرمل»، وفي عامها السادس في البلد الأمريكيّ اللاتينيّ، نجدها تقدّم أبرز شعراء المكسيك لجمهور الثورة الفلسطينيّة. وقد عَمِدَت أنطاكي على دعم الثورة في اللغة الإسبانيّة حين نشرت عام 1980 كتابها «Encuentro con Yasser Arafat» [لقاء في مع ياسر عرفات]، وهو توثيق للقائها بعرفات خلال وجوده في نيكاراغوا للاحتفال بالذكرى السنويّة الأولى للثورة الساندينيّة.

سرعان ما أصبحت أنطاكي بعد وصولها إلى المكسيك بفترة قصيرة وجهًا من وجوه الحياة الثقافيّة والسياسيّة العامّة في البلاد؛ فلم تقتصر كتاباتها ومداخلاتها على القضيّة الفلسطينيّة وشؤون العالم العربيّ فحسب، بل كان لها حضور في الفلسفة السياسيّة – حقلها الأساسيّ – وكتبت في الحالة السياسيّة المكسيكيّة والشعر والرواية. إضافة إلى عملها على مدار سنوات في الإذاعة المكسيكيّة حيث قدّمت برنامجها الخاصّ «El Banquete de Platon» [مأدبة أفلاطون]، الّذي كان يتناول موضوعًا فلسفيّة أو علميًّا بشكل أسبوعيّ.

توفّيت أنطاكي ودُفِنَت في المكسيك العاصمة عام 2000، وكانت قد وُلِدَت في دمشق عام 1948.

تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة نصّ أنطاكي كما ورد في «مجلّة الكرمل» عام 1981، وقد قدّم له المترجم الفلسطينيّ المختصّ بأدب أمريكا اللاتينيّة شادي روحانا.

 


 

قال رامون لوبيز فيلاردي عن هذه البلاد العجيبة "إنّها إسبانيّة إسلاميّة مخطّطة بألوان الهنود الأزتيك"[1].

هنا تتّخذ موقفًا منذ البداية، إمّا أن تعتبر أنّ التاريخ قصير، أو أن تتحوّل بالضرورة إلى ثوريّ؛ فالتاريخ الرسميّ المدوّن ابتدأ في القرن السادس عشر، منذ بداية الاحتلال الإسبانيّ، والدين المسيحيّ واللغة الإسبانيّة كانا أدوات سيطرة وضمّ.

كان العام 1521 عندما وصل الإسبان بوحشيّتهم على متن سفنهم يحملون المدافع وحيواناتهم الغريبة – الحصان – وأمراضهم الفتّاكة والقتلة وسجنائهم المُبعَدون عن بلاهم. وصلوا ليواجهوا حضارة شديدة التطوّر؛ «عالم الناوتل - الأزتيك» وسط البلاد، و«عالم المايا» في منطقة يوكاتان وشيابس وغواتيمالا في الشرق والجنوب. تقول الحضارة إنّه سيأتي ملك هو ربّ أبيض أشقر ممتطيًا حيوانًا عجيبًا، وظنّ الهنود أنّ قاطع الطريق هيرنان كورتيز، مبعوث ملك إسبانيا، إلهًا. كان من السهل على قاطع الطريق بعد ذلك أن يقضي على الحضارة، وعلى سيّد الشعر آنذاك الملك الشاعر نيتزاولكويوتل سيّد تكسكوكو، وعلى من قبله ومن بعده. دُفِنَت في «عالم المايا» أعمال أدبيّة لا تقارن مثل «البولفوه» و«شيلام بالام» لشومايل، أعمال خرجت من القبر ووصلت إلينا من خلال التقاليد السمعيّة والرسوم والرموز الهيروغليفيّة.  

 

افراين هويرتا (1982 – 1914)، روبين بونيفاز نونيو (1923 – 2013)، أوكتافيو باز (1914 – 1998)

 

خُصِّصَ القسم الأوّل من القرن السادس عشر لمذابح الهنود، وانتظر الأدب أن تنتهي ليبدأ في القسم الثاني من القرن أدب عَبَدَ التأثيرات الإسبانيّة، مقلّد عبد الذكرى، الّذي لا يفهم بعده عن إسبانيا ويتجاهل العالم الهنديّ العميق تحت نعليه، ولم يتحرّر من السطوة الإسبانيّة حتّى منتصف القرن الثامن عشر. وعندما تحرّر من الإسبانيّة انتقل إلى التأثّر بالفرنسيّة والإنجليزيّة والألمانيّة حتّى القرن العشرين الّذي شهد عام 1910 «ثورة الفلّاحين» الّتي عمّت البلاد. آنذاك، اكتشف الأدب المكسيكيّ أنّ عليه الشروع في اكتشاف بلاده ومزج تراث الروح الهنديّة بروح «ثورة 1910» وبالمأساة السياسيّة والحالة الإنسانيّة العجيبة لشعب لا يعرف فوق أيّ قارة يقف، فظهر الأدب الحاليّ، وهذا بعض شعره.

 

أوكتافيو باز (1914 – 1998)

ينقسم تاريخ الأدب الرسميّ في المكسيك إلى ما قبل وما بعد أوكتافيو. هو المرشّح الدائم لـ «جائزة نوبل»، والحاصل على جميع الجوائز الوطنيّة والإقليميّة والعالميّة. قمّة الشعر والفكر اليمينيّ الّذي يعرف موقعه واختار بكامل وعيه أن يستقرّ فيه. اليمين المثقّف الجامع العارف نظيف السمعة والتاريخ. عندما كان يعمل في السلك الدبلوماسيّ المكسيكيّ قدّم استقالته من منصبه سفيرًا لبلاده في الهند بسبب مذبحة 2 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1968، ثمّ كتب قصائدًا للشهداء. الشعراء من بعده ورثة رافضون، هم أولاده وقاتِلوه؛ فلا أحد منهم يتجرّأ على القول إنّه لم يقرأه ولم يتأثّر به.

 

من قصيدة «الريح كاملةً»

أيّتها الأيدي الباردة

انتزعي واحدة تلو الأخرى

ضمّامات العتمة

أفتح عينيّ

ما زلت حيًّا

وسط جرح ما زال رطبًا

الحاضر دائم

القمم هي من عظم وثلج

هي هنا منذ البداية

الريح وُلِدَتْ في هذه اللحظة

دون عمر

كما الضوء وكما الغبار

طاحونة الأصوات

الحاضر دائم

الحاضر دائم

 

 

أفراين هويرتا (1982 – 1914)

جَايَلَ أوكتافيو باز، لكنّه كان على الجهة الأخرى سياسيًّا؛ يساريًّا ديمقراطيًّا ومناضلًا نظيفًا. يقولون أنّه أهمّ شاعر بعد باز وتأثيره كان كبيرًا على كلّ من كَتَبَ. نمطه شعبيّ وسهل يقرأه الجميع، وابتكر نوعًا جديدًا من الشعر سُمِّيَ بـ «شعر الحدّ الأدنى»، أو «القصيدة القصيرة».

 

من قصيدة «تعريف الحرّيّة»

بواسطتها، بواسطة الحرّيّة، يسترجع الصوت والرائحة حياتهما

وتسترجع الزهرة جمالها النحيل، والغيمة أناقتها الرقيقة

بواسطتها، كلّ يوم، يتدهور عبير

ويتحوّل خيط من الدم إلى نهر الأمل العريض

حرّة مقدّسة الحرّيّة

بإمكان المرأة أن ترفض الرقصة العجائبيّة

ويبتسم الطفل، ويمنح الرجل نفسه كاملًا إلى الضوء

لكنّ الحرّيّة ليست حمامة دافئة النبض

إنّها مجرّد تحليق

 

 

روبين بونيفاز نونيو (1923 – 2013)

ترجم نونيو العارف باللاتينيّة فيرجيل وأوفيد، وكان شاعرًا عجوزًا جامعًا ومعلّمًا. أصدر مؤخّرًا مجلّدًا يضمّ أعماله الكاملة بعنوان «بشكل آخر، الشيء نفسه». موسوعيّ يذهب من الغنائيّة المتكاملة إلى «أدب الباروك» والهذيان والجدّيّة الجافّة.

 

من قصيدة «طارت الصقور، الأسود»

 

ربّما هناك أحد ينظر إلينا، بضحك

يسخر منّا وينظر إلينا

ويفكّر: تلك النباتات الجديدة

ليست خضراء بعد

الجذع من هواء وبلا جذور

وأنا أكتب "هذه اللحظة"، واللحظة الّتي كتبتها

ذهبت وامّحت

تمامًا كالقرون الماضية

قبل أن أولد

لكنّ أحدًا لن يجرّدني عند اللقاء من تلك الثروة غير المنتظرة

ربّما نحن نيام

نعرف حقائق نائمة

ربّما هناك أحد ينظر إلينا ونحن نيام

وأنا أذكرك في أحلامي وأنقذ نفسي

وبإنقاذي نفسي أنقذك.. إن كنت تسمعني

 

 

خايمي سابينس (1926 – 1999)

من جيل نونيو، يجمع الحضارة الهنديّة «الناوتل» مع الحضارة اللاتينيّة.

 

من قصيدة «بعض الكلمات عن موت الرائد سابينيس»

لو كان بوسعي فقط أن أقول: إليّ أيّتها البصلة، أيّها التراب، أيّها التعب،

لا شيء، لا شيء، لا شيء

لو كان يمكن شربك كجرعة الماء

لو كان يمكن ذبحك بهذا الألم

لو كان يمكن لمس وجهك

بواسطة ذكريات الليل هذه

أيّها الجرح المفتوح، أيّها التقيّؤ الدمويّ

أنا أعرف أنّه لا أنت ولا أنا

ولا نعجة نحاسيّة ولا جناحات

يحملان الموت، ولا الرغوة الّتي يتقيّؤها البحر ولا الشواطئ

ولا الرمل والحجارة المنكسرة ولا الهواء والماء

ولا الشجرة جدّة ظلّها ذاته

ولا الفاكهة

تعلم شيئًا عن الوقت الغامض الّذي يقذفنا

 

ألبيرتو بلانكو

شاعر عميق علميّ وشجاع في مواجهة تناقضات الطريق الّذي اختاره، ومتديّن جماليّ، شفاف ورقيق، رقيق وقويّ، ويتكلّم عن ربّه بلغة العشق.

 

من قصيدة «ملح الأرض»

الأرض تنبض مثل حيوان

ينام تحت شجرة

والهدوء الّذي ينفر من أعضائها ضوء

تحمله هذه الصحراء

 

انظر إلى مرور رجال القافلة

محمّلين بالذهب والقطن والجلود والبلاستيك

يصرخون مقتنعين بأسماء العالم ومفاجآته

يحتاجون إلى رؤية الشمس في خناجرهم

لكي يدركوا أنّ للضوء ثمنًا

هذه احتفالات الغرور، منازل الرمال

وفي البحر تبرق شموع أخرى

 

 

خوسيه كارلوس بيسيرا (1936 – 1970)

كان شابًّا مأساويًّا، ومات في حادث سير.

 

من قصيدة «بيان حول الحقائق»

وأنت أيضًا كنت تعودين، تعودين بشكل ما إلى النظر في نهاية أخرى

دون معنًى، حيث المساحة تضيق على جسدك وسط ساحتك وحدك

مساحة حزنك حيث تتنازلين عن خرير المياه

وتتركين عينيك لنهاية الليل

وتحلّلين دمك في كلّ المرايا الّتي اقتحمها حيوان الضباب

وكنت واقفة في عينيك كتلك الّتي تغذّي عريّها بالهواء

 

أنت الّتي تسمعين اسمك في صوتي

كالعصفور الهارب من كتفيك

والآتي ينشر ريشه في حلقي

حرّة، وحيدة، مغلقة على الحزن تنظرين إليّ

قميصي مليء بالبقع الغامضة النهاريّة

والكلمة نفسها تلتهم فهمي

تأكل كالحيوان الجائع قلب ذلك الّذي يتألّم منها

ويقولها

مرّ الليل حتّى الفجر

مرّ ماحيًا أصنامي القديمة

وأنا رأيت كيف كان يحمل الصمت الّذي يغلي بالمتآمرين

والأبطال الّذين فقدوا بطولاتهم عندما وُلِدُوا

عندما تحوّلوا إلى أبطال للمرّة الأولى والأخيرة

 

 

خيراردو دينيس (1934 – 2014)

اسمه مستعار، ومع ذلك اختار ألّا يخجل من عورته. عجيب غريب قليل الحياء، مثقّف ينادي بتجرّده ويقول إنّه لقيط ثقافيّ. يعضّ كلّ من حوله بأدب شديد، ولا يؤمن بأشياء كثير ولا يكشف عمّا يريد. عدوّ كلّ شيء، وحيد وناقد أتعبه الواقع. سلاحه الأوحد ضحكته القاتلة، هو الذكاء الّذي يعرف الموت قبل أن يجرّبه.

 

ابتدأ كلّ شيء عندما نظروا بجدّيّة

إلى فلان وفلان، أمّا ما تبقّى

فالعالم كلّه كان مراهقًا

وكان يعتقد أنّ شكل مؤخّرة النساء

ينبّئ بشكل الكون

وكان ذلك خطأ في زاوية الرؤية

كانت هناك قوافل نتنة الرائحة وحليب عفن

وكانت القوافل محمّلة بأشيائها المعتادة

وكلّ هذه الأنهار المليئة بالتراب

وبيروقراطيّة قادة الجمال فوق الرمال

في طريقهم إلى بيوت الدعارة

 

 

كورال براشو

امرأة متعبة وشاعرة متعبة. عديمة الصبر، عصبيّة الكتابة وتكتب بشكل عار ومجرّد.

 

من قصيدة «عين عيناه المزيّنتين بالرمال الزجاجيّة»

منذ تهيّج أسماء الرخام هذه

منذ رقّة غنائها الحريريّة

وعيونها المزيّنة

بزعانف زجاجيّة

وهدوء المعابد والجنائن

داخل الظلال الساحرة

في الأحجارة الّتي تتشابك وتذوب

فتحت سريرها

 


إحالات

[1] رامون لوبيز فيلاردي (1888 – 1921)، شاعر مكسيكيّ. نُقِلَت العبارة من مقالة فيلاردي «جديد من أرض الوطن»، ويشار إلى أنّه في عبارة فيلاردي الأصليّة بالإسبانيّة، تظهر مفردة «castellana»، أي قشتاليّة، بينما إسلاميّة تظهر «morisca»، أي موريسكيّة [شادي روحانا].

 


 

عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.

 

 

التعليقات